الخميس، 11 أغسطس 2011

هنـــا حيث ولدت ... تمـــوت بعض الأشياء.



أصبح يدرك أن النهايات أبعد مــا تكون عن البدايات ...
و أن الأحــلام مهما طال عليها الأمد أو قصر ؛ ستظل أحلاما ...
فلم يعد بمقدوره منح مطــلق الثقـة لأحدهــم ، و لن يصــدق كل ما يقال له بعد اليوم ؛ حتى و إن كان ما يخرج من شفتي من يعتبره " توأم روحــه " ...
كــان يدرك أن كل الذي يقوله الآن لا يخــرج إلا من " مرارة و ألــم يعتصران صدره " ، و يوما ما سيأتي و يتــراجع ليقول : مازالــت الدنيا بخير !
و لكــن كـــل ما يراه الآن أنه لا خيــــر في زمــان ينقلب علينا الحبيب ليصبح أقرب ما يكون للعدو .

إذا فهذه النهايــة ...

و لطالما اعتــاد البشر في مثل هذه النهايات ، أن يحصوا مـاذا كسبــوا ، و ماذا خســروا ؛ و لكـــنه لم يستطع أن يسمي نفســه لا خاســرا و لا فائــزا ؛ و إن كـــان قد خرج بأقــل الخسائــــر .

تنهـــد عميقا و هو يغوص في بحـــر ذكرياته المتلاطم ، و هو يراقب الأفق من النافذة ...
أصوات النوارس تعـــلو فتصاعــدت معها أنفاسه و دقات قلبه ، فهـــو على مقربة من مكانهما المفضـــل ، ذلك المكان الذي شهــد لقاءهما الأول ... و الأخيـــر .

شعر بغصة في حلقه و هو يتذكـــر ذلك اليوم الذي انتهى فيه كــل شئ ؛ حينما اخبــره " الآخـــــر " بأنه لم يعد يرغب في الاستمرار في هذه العــلاقة و بأنها أصبحت حملا ثقيلا عليه ... سالت دمعة من عينه فأســـرع يخفيهــا حتى لا يـــراها أحد من ركـــاب تلك الحافلة التي كانت تقله ....
وصلت الحافلــة لوجهته المنشودة ، حينها استوقف السائق ، و ترجـــل عنها و طبعا لم ينس أن يأخذ حقيبته الملأى بأشياء عدة .

هواء البحــر يتسلل في خفة لرئتيه ؛ ليشبعهما برطوبته التي طالما عشقها ، رائحــة المكان تعيد إليه ذكـــريات عدة ؛ فتذكــر تلك المقولة " أنوفنـــا أقوى ذاكـــرة " .

" المكان خالي كالعادة "

قالها و هو يتفحص المكان باحثا عن صخــرة معينة بذاتها ، و ما أن أبصرها حتى توجه نحوها ... تلك الصخــرة تعني له الكثيــر ، فقربها التقيا في موعدهما الأول ، و بجانبها انفصلا ...
نظـــر إليها بشئ من الأسى ، فيبدو أن القدر إختارها لشهادة ما كان بينهما ، انتهى كل شئ و بقيت هي على حالها و لم تتغير .
جلس بقربها و أخذ يفرغ محتويات حقيبته ...

زجــاجة عطر نصف ممتلئة ، أخذها يوما من خزانة الاخر ؛ ليتذكــر بها رائحته حيثما شاء ، يضع منها على وسادتـــه قبل أن ينام ؛ ليتخيل أنــه ينام في أحضانه ....
ساعة يــد ، و وشاح رمادي ، إهديت إليه منه في عيد ميلاده الأخير ...
صورتـــان التقطتا في ذات عيد الميلاد

أخــذ يمعن النظر فيها و هو يبتسم ( و لم يدري لم هذه الإبتسامة ) ! ، ثم بحذر كسر زجــاجة العطــر و أخذ يصب محتوياتها فوق الأشياء المتكومــة على الأرض ، ثــم أخرج ولاعة من جيبه و ...... فعلـــها .
وقف لعدة دقائق يراقب النار تشتــعل فيما كانت يوما أعـــز ممتلكاته ، و تمنى لو أن هذه النار تكون في قلبه و عقله لتمحو كل ما فيهما بخصوصه .

حينها أدار ظهره إليها و أخذ ينظــر البحر ، و قال :
" هنا حيث ولدت تموت بعض الأشياء " ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق