الاثنين، 10 أكتوبر 2011

صيف و خريف ... و شتاء .

لم يكن صيف هذا العام كأي صيف آخر .
ففي غضون أسابيع تغيرت أشياء كثيرة و كأن صفحة انطوت من كتاب الذكريات . 
وجدت نفسي أنظر لصفحة خلاء خلوها مخيف كأرض خراب .
لم يكن تبقى من الصفحات الأخرى سوى لمحات تومض و تنطفئ ، أحداث وقعت و صاحبتها آلام ، و أصوات مزعجة تقذفني نحو الخوف و الرثاء .
وجدت نفسي على عتبة عهد جديد ، حالة تؤرخ فيها الأسابيع و الشهور بعزم مجهول تكمن في زواياه احتمالات باعثة على السرور .
كنت كالمسافر الذي تتراءى له آفاق جديدة و أفق فسيح أزرق لا محدود تتناثر في جنباته الأحلام كالأزهار المائية . 
انبعثت في نفسي أشواق غامضة و بت أحاور نفسي و أفتش عندها عن مثل أعلى يحملني إلى طور جديد من الأمل .
كنت عطشان أنصت عبر صحراء صامتة لصوت الماء .
و أحيانا كانت تثور على نفسي فترميني بالعجز و التفاهة و التهرب من مواجهة الواقع بالتأمل في مدارات الليل ، و محادثة النفس كأنها كيان آخر منفصل عن جسدي . 
لم أجد عزاء من كراهية الذات إلا في الكتب ؛ كنت أقرأ فتتوهج مشاعل الروح و تنحسر ظلمات الطريق و يبدو المستقبل عامرا باحتمالات كانت على عهد الطفولة غائرة في أخاديد المستحيل .
و كم امتلأ القلب بحنين غشاه كسحابة صيف خفيفة مسافرة في اتجاه غير معلوم و نهاية مجهولة ....




في أول الخريف حين بدأ العام الدراسي كانت الأوراق تسقط مع كل هبة ريح حتى تصورت أن الأشجار قد تفقد ورقها كله و تقف كالأشباح طويلة و داكنة و عارية .
و لكن تلك الأشجار ظلت كما هي ؛ تجود ببضع أوراق مع كل هبة ريح . و رغم ذلك لم تنقص الأوراق و لم تزد . و لم تثمر تلك الأشجار أو تذهر و كأنها خلقت في حالة خريف دائم ...
هنا وضعت يدي على صدري و تحسست جانبه الأيسر و قلت في صمت صارخ : متى يحين خريفك ؛ و تتساقط أوراقك لتحيا من جديد ! ....
كنت إذا أنصت السكون سمعت الأوراق توشوش وشوشة خافتة و رأيتها و هي تتمايل فيثور الغبار حاملا معه رائحة مميزة ، ثم تهدأ الريح فيؤوب المكان إلى سكونه المعهود ....






و هاقد عاد الشتاء برياح أقوى ذات همسات أعلى ، حاملا في طيات نسماته بقايا ذكريات أيام ظلت عالقة في المخيلة منذ أمد بعيد ...
لم يتغير الكثير منذ الشهور الأخيرة على آخر زيارة مفاجئة و فاحصة لأراضي القلب ، فذات الأوجه وجدتها معلقة على جدرانه ، ذات الأحلام متدلية من سقفه ، و ربما ذات الآلام منبثقة من سطح أرضه .
إذا كل شئ ينبئ بأن حصاد العام المقبل سيقل عما كان عليه في العام السابق له ؛ هذا إن لم تحدث معالجة عاجلة لتدارك الأوضاع قبل فوات الأوان ...

و صراحة لا أدري كيف ! .
ما زلت على أعتاب الشتاء في شهر أكتوبر ، و يبدو أن أيامه القادمة تحدث بعهد جديد و منعطف آخر في مسارات الحياة ، ربما و ربما لا .

لا أدري شئ فكل شئ في علم الغيب .
و لكن كل ما أدركه أنه إن تبقى في العمر بقية ... فللحديث بقية .